Banner

نوفل البعمري.. تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبیة، و ما بعده!!

أصدرت محكمة العدل الأوروبیة یوم الجمعة 4 أكتوبر 2024 قراراً “قضائیاً” یتعلق بالاتفاقیات التجاریة التي أبرمھا المغرب مع الإتحاد الأوروبي، و ھو القرار الذي اتجھ نحو الحكم ببطلان ھذه الإتفاقیات للإعتبارات و العلل التي سنناقشھا، خاصة منھا النقط التي ارتكز علیھا للتوصل لھذه النتیجة القضائیة/السیاسیة، و ھي نتیجة اعتمدت على فرضیات سیاسیة أكثر منھا قانونیة، فرضیات لم تستند لا على القانون الدولي و لا على القانون الأوروبي خاصة منھ ما ینظم الإتفاقیات الأوروبیة التي یبرمھا الإتحاد الأوروبي مع دول من خارج الإتحاد. و بالعودة لھذا القرار یمكن إثارة مجموعة من الملاحظات التي یمكن اعتبارھا بمثابة تعلیق قانوني على القرار و مثنھ:
– من حیث اختصاص محكمة العدل الأوروبیة : محكمة العدل الأوروبیة مطروح علیھا الیوم سؤال قانوني جد مھم مرتبط باختصاصھا بالحكم في ملفات یرتبط فیھا موضوعھا باتفاقیات دولیة أحد طرفیھا غیر أوروبي و لا ُیطیق علیھ القانون الأوروبي!!
– فالمحكمة مختصة بموجب القانون المنظمة لھا ب :” الفصل في المنازعات بین الدول الاعضاء حول تفسیر القوانین و المعاھدات و الاتفاقیات ذات الصلة.
– الفصل في المسائل المرفوعة إلیھا من المحاكم الوطنیة و تحدید القوانین الواجب تطبیقھا. – الفصل في كل الطعون المقدمة من طرف البرلمان الأوروبي و مجلس المحاسبة و البنك المركزي الأوروبي. – الفصل في المنازعات بین الدول الأعضاء حول تفسیر القوانین و المعاھدات و الاتفاقیات ذات الصلة”.
ھذه إذن ھي اختصاصات محكمة العدل الأوروبیة، بالرجوع إلى الدعوى التي بثت فیھا ھذه المحكمة، فھي تطرح على نفسھا سؤال تجاوزھا للإختصاص المحدد لھا قانوناً، و ھو اختصاص حصري لا یمكن لھا أن تتجاوزه أو ُتوسع فیھ من ولایتھا النوعیة مادام أن الترافع و التقاضي أمامھا محصوراً فقط بین الدول الأوروبیة، الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، و من من طرف المواطنین الأوروبیین، فكیف لھا قضت في ھذا الملف و النازلة دون أن تثیر تلقائیاً عدم اختصاصھا لل َّنظر فیھا اعتباراً لكون الدعوى القضائیة رفعھا أمامھا تنظیم ملیشیات البولیساریو!!
– ھو سؤال الآن غیر منتظر الجواب عنھ مادام المحكمة قد حكمت في الملف، بل نطرحھ لإثارة الإنتباه لھذا الخرق القانوني الخطیر، الذي كان یفرض علیھا القانون الحكم تلقائیا بعدم اختصاصھا لأن الطرف الذي قام برفع الدعوى أمامھا ھو تنظیم ملیشیاتي، غیر أوربي و لا ینتمي ولا یتواجد داخل الإتحاد الأوروبي.
– من حیث صفة البولیساریو: تنظیم البولیساریو من خلال ھذا الحكم، اتجھت المحكمة إلى قبول صفتھ في الدعوى مستندة في ذلك على معطیات سیاسیة مرتبطة بالمناقشات التي تمت داخل الأمم المتحدة التي اعتبرت البولیساریو طرفاً سیاسیاً في المسار السیاسي إلى جانب الطرف الأساسي “النظام الجزائري”، و ھي بذلك تكون قد أسقطت وقائع سیاسیة مرتبطة بالعملیة السیاسیة على ملف قضائي، و دون أن ُیطلب منھا ذلك، بحیث عمد الحكم إلى تبریر قبولھا بصفة البولیساریو لھذه الإعتبارات السیاسیة، و ھي اعتبارات سیاسیة لا یمكن إسقاطھا على الصفة القانونیة التي ُتخول لھا و تمنح لھا الصفة القانونیة للترافع أمام المحاكم الأوروبیة. حتى لو سایرنا ھذا التوجھ، فكیف یمكن تعلیل أن محكمة العدل الأوروبیة ابتدائیا و استئنافیا سابقاً في قضایا مماثلة قضت فیھا بعدم قبول الدعوى لكون تنظیم البولیساریو لا یحمل الصفة القانوني و لا الأھلیة لتمثیل الساكنة الصحراویة أمام القضاء الأوروبي، و ھو الموقف القانوني السلیم الذي كان قد دفع الدولة الحاضنة ال ُمحركة لھذه الدعاوى القضائیة إلى اللجوء لجمعیات أوروبیة قصد رفع دعاوى بالوكالة أمام المحاكم الأوروبیة تتعلق بنفس الموضوع و كانت محكمة العدل الأوروبیة تقبل البث فیھا لكون طرفھا أوروبي، فماالذيتغیرالیومحتىیعودتنظیمملیشیاتالبولیساریوو ُمحركیھالأساسیینالىرفعھذهالدعوىباسمالتنظیمالملیشیاتيأمام نفس المحكمة!!
الجواب واضح لقد كانت لھم ضمانات قبلیة بكون المحكمة ستجد المخرج الذي سیجعلھا تقبل صفة البولیساریو أمامھا، رغم علمھا بكونھا قد خرقت القانون المنظم للمحكمة و القانون الأوروبي!!
– علة “البلد المنشأ” المحكمة و ھي تحاول تبریر قرارھا الذي لا یحمل من توصیف القضائي إلا الإسم، استندت على كون المنتجات القادمة من الأقالیم الجنوبیة لا تحمل اسم ” البلد المنشأ”، ھنا لابد من طرح السؤال ما الذي تقصده المحكمة ببلد المنشأ؟! ھل یتعلق الأمر ب” اقلیم الصحراء الغربیة” إذا كان كذلك فھذا الأخیر غیر معترف بھ كإقلیم مستقل، بل على العكس یتم استعمالھ أممیا لإعطائھ توصیفاً جغرافیاً حیث توجد الأقالیم الصحراویة الجنوبیة لتمییزھا عن الصحراء الشرقیة، و لكي یتم تحدید المجال الجغرافي المعني بالنزاع المفتعل، و لم یتم التعاطي مع ھذا المجال الجغرافي قط من طرف الأمم المتحدة على كونھ كیان “دولتي” أو “كیان محتل” من طرف المغرب حتى یتم اعتباره من طرف المحكمة “بلد منشأ” یوجب الإشارة إلى المنتجات التي یتم تصدیرھا من ھذه المناطق الصحراویة المغربیة بعبارة ” الصحراء الغربیة”. إن المحكمة ھنا، لم تتجاوز فقط قرارات مجلس و موقف الأمم المتحدة من ھذا الإقلیم الذي تم تصنیفھ ضمن الأقالیم الغیر المتمتعة بالحكم الذاتي و ھو بذلك یمنح للمغرب بموجب القانون الدولي الحق في تدبیر ھذا الإقلیم و التعاقد باسمھ باعتباره صاحب السیادة
الإداریة و السیاسیة، ھذا المعطى القانوني الذي یحدده القانون الدولي ھو ما قفزت عنھ المحكمة و أغفلتھ عن عمد لتمریر رسائل سیاسیة تحیل إلى كون الأقالیم الصحراویة ” مجال جغرافي محتل” في خرق سافر للقانون الدولي و طعن في قرارات مجلس الأمن التي لم تتعامل یوماً مع الأقالیم الصحراویة الجنوبیة كمجال جغرافي كان مستقلاً عن المغرب أو في طور الاستقلال عنھ، وإذا كانت
المحكمة ترید استعمال معطیات سیاسیة لتعلیل قرارھا كان علیھا أن تستند على قرارات مجلس الأمن آخرھا قرار 2703 الذي تبنى المعاییر السیاسیة لمبادرة الحكم الذاتي، و تستند على موقف أجھزة الإتحاد الأوروبي الذي یحترم السیادة الكاملة للمغرب على ترابھ و یدعم مبادرة الحكم الذاتي، رفقة دولھ التي توزعت مواقف 19 دولة منھ ما بین دعم مغربیة الصحراء و تبني المقترح المغربي، لا أن تقوم بتحریف وقائع سیاسیة لإصدار حكم قضائي على مقاس الجھات التي تحرك تنظیم ملیشیات البولیساریو. لذلك فاستناد المحكمة على ھذه الحیثیة السیاسیة و محاولة تغلیفھا بغلاف قانوني جعل المحكمة تسقط في تناقض مع القانون الدولي و مع الشرعیة الدولیة التي ُتحددھا قرارات مجلس الأمن و مع التوجھ السیاسي و القانوني للأمم المتحدة خلال معالجتھا و تعاطیھا مع ملف الصحراء، مما یجعل من المحكمة و حكمھا خارج السیاق العام السیاسي و القانوني الذي ُیعالج فیھ الملف.
– علة ” استشارة الشعب الصحراوي”
المحكمة في توجھھا الذي اتجھت فیھ للوصول لنتیجة ” بطلان” اتفاقیة التبادل التجاري مع المغرب استندت على كون المغرب لم یقم بما سمتھ ” استشارة الشعب الصحراوي” وھو معطى لم یكن یوماً قانونیا بل سیاسیاً، ففي مختلف الأدبیات الأممیة سواء كان الأمر یتعلق بالقرارات أو التوصیات أو التقاریر یتم استعمال ” الشعب” بمفھوم الساكنة المحلیة /الأصلیة للمنطقة، و لم یتم إعطاء ھذا التوصیف أي بعد سیاسي یتعلق “بشعب محتل” أو ب”شعب منفصل” عن باقي الشعب المغربي، بل الأمر یتعلق بالساكنة الصحراویة المعنیة بالنزاع و ھي ساكنة أغلبھا بما فیھم مختلف الأطر المؤسسة لتنظیم البولیساریو قد اختارت العودة للمغرب و انخرطت في مساره السیاسي، الدیموقراطي و المؤسساتي و تمارس حقوقھا المدنیة بحریة، و ھي الساكنة إلى جانب عموم أبناء منطقة الصحراء ھم الذین یتحقق معھم مفھوم و شرط ” الإستشارة” و ھي الإستشارة التي تحققت عملیاً من خلال المنتخبین دیموقراطیاً داخل المؤسسات المنتخبة محلیاً و جھویاً، و ھم یشاركون إلى جانب المسؤولین المركزیین في كل المسارات المتعلقة بملف الصحراء، سواء السیاسیة منھا في الأمم المتحدة أو الإقتصادیة أثناء توقیع الاتفاقیات الدولیة بحیث یشاركون ضمن الوفود التي تقود المباحثات السیاسیة و الإقتصادیة من خلال أبناء المنطقة من المنتخبین الذین یحققون شرط الاستشارة و ھو شرط لصیق بالتثمیلیة، بتمثیلیة الساكنة الصحراویة الأصلیة و المقیمة بالجنوب المغربي، و ھو شرط لا یمكن أن یتحقق في مخیمات تندوف بسبب رفض الدولة الجزائریة إحصاء ساكنة المخیمات و تمكینھم من بطاقة لاجئ و تحدید ھویتھم و فرز من ھم منتمین و منحدرین من الأقالیم الجنوبیة و من ھم المستوطنین بالمخیمات ممن تم استجلابھم لتضخیم أعداد ساكنة المخیمات، و حالتنا ھاتھ لا یمكن القول باستشارتھا مادام أنھ واقعیاً لا یمكن أن یتحقق الأمر، و ھو عكس ما ھو حاصل بالأقالیم الجنوبیة حیث تعیش الأغلبیة المطلقة من الساكنة الصحراویة المعنیة بھذه الإتفاقیات.
– ما قفزت علیھ المحكمة: المحكمة قفزت على معطى قانوني جد ھام، ھو المتعلق بتدبیر الثروات الطبیعیة لھذه الأقالیم، و ھو معطى مرتبط بالأمم المتحدة بحیث أن ھذه الإخیرة في مختلف الوثائق الصادرة عنھا، و رغم كل الشكاوى التي تقدمت بھا الجزائر أمامھا المتعلقة بتدبیر المغرب للثروات الطبیعیة لھذه الاقالیم، و رغم ادعاءاتھا الكیدیة “نھب” ھذه الثروات من طرف المغرب، إلا أن الأمم المتحدة لم تنساق یوماً وراء ھذه الدعایة، بل ظلت الأمم المتحدة بما فیھا قرارات مجلس الأمن تشید بحجم التنمیة الذي تحقق في ھذه الأقالیم، و بالمسار التنموي الذي قطعتھ، مما یفند الأطروحة السیاسیة الغیر المعلنة التي استندت علیھا المحكمة لتبریر قرارھا. المحكمة قفزت على التقریر الذي أُنجز من طرف اللجنة الأوروبیة التي حلت بالمنطقة قبل سنوات من أجل إعطاء توصیتھا حول تحدید اتفاقیة الصید البحري من عدمھا، و بعد سلسلة جلسات الاستماع و المعاینات التي قامت بھا للمنطقة و الشھادات التي استخلصتھا من المنتخبین والجمعیات المحلیة و المجتمع المدني و الفعالیات الاقتصادیة المحلیة خلصت إلى كون المغرب ُیخصص جزءاً من عائدات ھذه الاتفاقیة إلى المنطقة، و ھو بذلك یستجیب للقانون الدولي و محترماً لھ، و في وضعیة سلیمة عند توقیعھ للاتفاقیات التي تشتمل على الأقالیم الصحراویة الجنوبیة، و ھو رأي اقتصادي مبني على الواقع ال ُمعاش، غیر متحیز سیاسیاً، المحكمة أغفلت الإشارة إلیھ و لم تلتفت لھ لعلمھا أنھ ینسف الأطروحة السیاسیة التي ارتكزت علیھا للبث في الملف.
– ما بعد القرار: . المغرب أكید كما ع َّبرت على ذلك الخارجیة المغربیة غیر معني بھذا القرار، فھو لم یكن طرفاً في الملف و لا جزءاً من مساره القضائي، و لا المغرب دولة أوروبیة حتى یتأثر بقرارات صادرة عن محاكمھا، على العكس من ذلك المغرب من جھة یوجد في موقع مریح سیاسیاً و اقتصادیاً و یمكنھ في أي لحظة التوجھ لسوق أخرى في ظل سیاسة تنویع شراكاتھ الاقتصادیة التي انتھجھا قبل سنوات.
. المغرب كذلك لا یبحث تأزیم علاقتھ مع الاتحاد الأوروبي، مما یجعل الكرة الآن في ملعبھ و ملعب أجھزتھ خاصة المفوضیة الأوروبیة، و إذا كانت كل المؤشرات و المواقف الصادرة من الاتحاد الأوروبي كلھا تتجھ نحو التشبث بالمغرب و بشراكاتھ الاستراتیجیة مع المغرب،التي عكستھا مختلف التصریحات التي تم الإدلاء بھا في ھذا الصدد مؤكدة على أھمیة المغرب بالنسبة لأوروبا، ھذه الأخیرة ھي من علیھا تكییف واقعھا القانوني مع ھذا القرار القضائي السیاسي.
. الدول الأوروبیة البالغ عددھا 19 دولة كلھا خرجت في تصریحات داعمة للمغرب و محددة اعترافھا بمغربیة الصحراء و بثقتھا في مصداقیة الحكم الذاتي، و ھي بذلك أخذت مسافة من ھذا الحكم، و من أجھزة الإتحاد الأوروبي و فتحت الباب أمام إبرام اتفاقیات اقتصادیة ثنائیة تحترم السیادة الكاملة للمغرب على كامل ترابھ. . المغرب خرج منتصراً، و الفخ الذي كان ُیراد جره إلیھ لم یسقط فیھ، فھو قد اختار تنویع شراكاتھ، و كانت اللحظة مناسبة لانتزاع مواقف سیاسیة جدیدة داعمة لمبادرة الحكم الذاتي، لیتحول الحكم من ورقة ُترفع في وجھھ للإحتجاج ضده إلى حجة على مصداقیة
المغرب و احترامھ لالتزاماتھ الدولیة و تحركھ في احترام تام للقانون الدولي و الشرعیة الأممیة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.