الخط :
النقابات الكبرى تعيش فرحة كبرى، والنقابات الغير ممثلة أكثر تشاؤما، الأولى تتفق على أولوية قانون الإضراب والثانية تحث على أسبقية قانون النقابات.. لماذا يا ترى!
اتفقت المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية على لغة متفائلة، وتنويهات متتالية بما تحقق، خلال كلمات قيادتها الوطنية في احتفالات فاتح ماي لهذه السنة.. فوزعت القيادات المذكورة في الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية والاتحاد العام، كلمات الإشادة والتنويه، فكان أن أشاد الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، النعم ميارة، بالاتفاق الذي تم التوصل إليه يوم 29 أبريل بين الحكومة والنقابات خلال الجولة الأخيرة من الحوار الاجتماعي. واعتبر «أنه يستجيب للعديد من المطالب المعقولة والموضوعية له هو نفسه كاتحاد عام للشغالين بالمغرب..». في حين اختار خالد هوير العلمي نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التذكير «بما تمخض عن الجولة الأخيرة من الحوار الاجتماعي من مكاسب لفائدة الطبقة العاملة». وذكر في هذا الصدد أن المكاسب التي تم تحقيقها، كالزيادة العامة في الأجور بالقطاع العمومي وموظفي الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بقيمة 1000 درهم، والرفع من الحد الأدنى للأجور بالقطاع الصناعي والفلاحي بنسبة 10 في المائة، فضلا عن مراجعة الضريبة على الدخل هي «من مطالب المركزية الكونفدرالية » التي يرأسها، رفقة عبد القادر الزاير الذي غاب عن الاحتفال.
أما الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي مخاريق، فقد ثمن من جهته أمام المناضلات والمناضلين المنتسبين إلى الاتحاد، «المكتسبات القطاعية التي تم تحقيقها خلال الأشهر الأخيرة».. وكان بطبيعة الحال من نافل القول أن يعتبر بأنها استجابة لما ناضلت من أجله هاته المركزية العتيدة. وفي هذا الصدد أشار إلى أن جولات الحوار الاجتماعي أسفرت عن التوقيع على اتفاق اجتماعي مع الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب، مبرزا أن هذا الاتفاق يجسد مجموعة من المطالب التي تتطلع إليها الطبقة العاملة التي يمثلها.
وفي المقابل لم تبد النقابات الأخرى، ومنها الفدرالية الديموقراطية للشغل القريبة من الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الوطني القريب من العدالة والتنمية حرارة ملحوظة في التعليق على هذا الاتفاق، بالرغم من إقرارها بجدوى بعض عناصره الإيجابية.. وركزت كلمات ممثليها على المفارقات المسجلة بين النص وبين الواقع المعيشي للطبقة العاملة وفي قلبها موظفو القطاع العمومي المستفيد الأكبر من الاتفاق، وسلطت الأضواء أكثر على الغلاء في الأسعار والتضخم ونسبة النمو المتدنية والاستدانة العامة وما إلى ذلك…
النقطة الأكثر حضورا كانت في الأفضليات التي أعطتها النقابات في ما يخص القوانين المنظمة للحماية النقابية، وعلى رأسها قانون الإضراب والقانون المنظم للنقابات.
فهذا القانون الأخير مثلا حسم في خلافات داخل الأحزاب، كما أنه فرض انتظام المؤتمرات عليها، وفي حالة العجز تحرم من المال العمومي الممنوح لها، كما هو حال حزب الاستقلال الذي تم تعليق تمتعه بالتمويل العام للأحزاب نظرا لتأخيره في تنظيم المؤتمر لمدة سنتين!!!
ولعل النقابيين الذين عمروا طويلا على رأس كافة النقابات المركزية منها والقطاعية، يتخوفون من هذا القانون أكثر من تخوفهم من قانون الإضراب الذي يمس في العمق حقوق العمال أكثر من قيادتهم النقابية! كما أنه يعتبر تسويةً بين النقابات وبين الحكومة والباطرونا في القطاع الخاص.
وإذا كان قانون الإضراب قد صار شرطا إجباريا لتنظيم هذا الحقل بعد ما يزيد عن ستين سنة على التنصيص عليه دستوريا، فإن من شأن التأخير في قانون النقابات أن يعطل النقاش حوله، هذا إن لم يفجر النقابات بسبب خلاف القيادة والقواعد في هذا الباب، أو أن يتسبب في المزيد من النفور العمالي من النقابات ويقوي حضور التنسيقيات. كما شاهدنا في التعليم وفي قضية الطلبة الأطباء وما قد يظهر مستقبلا…
والخلاصة هي أنه قد سكتت بعض النقابات عن الأولوية التي أعطيت لقانون الإضراب على حساب قانون النقابات، في حين رفعت شعارات في باقي التجمعات، على محدوديتها تطالب بقانون النقابات كقانون أول.
والسبب مفهوم ولا شك وهو أن المنتظر من قانون النقابات أن ينظم الآليات الداخلية للديموقراطية الداخلية لعمل المركزيات النقابية، وسيكون من أول المستهدفين حين تطبيقه المتقاعدون الذين يدبرون شؤون النقابات، في حين تظل أجيال الشباب بعيدة عن التسيير والمسؤولية، كما أن قانون النقابات من شأنه أن يغير التركيبية العمرية للمركزيات ويفرض عليها آليات ديموقراطية للحسم، كما سيفتح الباب للقضاء للحسم فيها في حالة الخلاف، كما هو حال قانون الأحزاب اليوم..