Banner

رشيد نيني مأساة حزب الإستقلال

في منصة الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حزب الاستقلال كان يجلس إلى جانب نزار بركة أحد الديناصورات السياسية الذي عاصر ثلاثة ملوك وعايش ميلاد حزب الاستقلال وكان فاعلا في جميع المخاضات الكبرى التي أفرزت الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم. إنه محمد الدويري الذي يشارف على إقفال مائة سنة من العمر والذي شارك في الحكومة التي قادها المرحوم محمد الخامس، ولازال مع ذلك مصرا على حضور مؤتمرات الحزب الذي ساهم في تأسيس نقابة عماله ونقابة طلبته. وقد أطال الله له في العمر حتى رأى مؤتمر حزب الاستقلال يترأسه وافد جديد اسمه فؤاد القادري حط الرحال في حزب علال قادما من الحزب الوطني الديموقراطي الذي أسسه أرسلان الجديدي. فحزب الاستقلال ومنذ تولي شباط قيادته تحول إلى مرفأ للطارئين الذين تحولوا مع مرور الوقت إلى أصحاب البيت، فانطبق عليهم المثل السائر «دخلناهم من القطرة بغاو يخرجونا من الدار». والنتيجة هي أن أبناء وقيادات حزب الاستقلال الأصليين أصبحوا يمثلون أقلية، فيما الغلبة أصبحت للأعضاء المزروعة التي يلفظها الجسم. وأبرز مثال على ذلك ما قالته فاطمة الزهراء أفيلال بنت الراحل عبد الرزاق أفيلال خلال المؤتمر لوزير الصناعة والتجارة رياض مزور من كونه لا ينتمي لحزب الاستقلال فأجابها أنه بزاف عليها». ولعل أهم درس يمكن استخلاصه من المؤتمر 18 لحزب الاستقلال هو أن هذا الحزب الذي يدبر قطاعات وزارية استراتيجية بالنسبة للبلد عاجز عن تدبير شؤون بيته الداخلي. فقد أظهرت مجريات المؤتمر فشل القيادة الاستقلالية في انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وترك الأمر مفتوحا . ورأينا كيف أن الصراع حول رئاسة المؤتمر استنفد لوحده من الحادية عشرة ليلا إلى السادسة صباحا إلى أن أدركتهم عدوى البام واتفقوا على لجنة رئاسية ثلاثية. لقد رأينا خلال مجريات هذا المؤتمر كيف أن حزبا عريقا دبر من طرف ديوان الوزير نزار بركة الأمين العام للحزب، حيث تم الاعتماد في كل تفاصيل المؤتمر على خدمات شركات خاصة في حين أن هذا كان يدبر من طرف مناضلي الحزب ومفتشيه ومسؤوليه الإقليميين ومنظماته الموازية. يثير هذا الاختيار إشكالية عميقة في حزب الاستقلال وهي إشكالية غياب الأطر والكفاءات. ورغم أن نزار بركة ينحدر من عائلة استقلالية عريقة إلا أنه يمكننا القول إنه يقود الحزب كتكنوقراطي وليس كسياسي. ففي السابق كانت «الروابط» ترفد الحزب بالكفاءات والأطر، أما اليوم فهذه الروابط» كلها مجمدة مما تسبب للحزب في تصلب الشرايين. وحتى رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين التي أتت في وقت سابق بنزار نفسه وعادل الدويري قبله فقد تحولت إلى محارة فارغة. والشيء نفسه بالنسبة لبقية الروابط، بحيث أصبحت كل رابطة على رأسها رئيس خالد. فرابطة الأطباء يوجد على رأسها خالد لحلو، مدير الوكالة الوطنية للتأمين، منذ ما يفوق العقدين. ورئيس رابطة المهندسين الطوبوغرافيين عزيز الهلالي، يوجد على رأسها منذ ميلادها، جامعا بينها وبين منصب مدير مطبعة الرسالة براتب ستة ملايين إضافة إلى منصب نائب رئيس الجهة. فكرة «الروابط» جاء بها عباس الفاسي من فرنسا عندما كان سفيرا بها. وكانت الفكرة هي تأسيس مشتل للنخب يمكن اللجوء إليه لاختيار الوزراء وكبار موظفي الدولة. لكن مع الوقت وبسبب «عبور الصحراء» الطويل الذي دخله حزب الاستقلال فقد تحولت رابطة الاقتصاديين إلى مجرد «مصبغة» يتم فيها صبغ المستقدمين للحزب ومنحهم الشرعية الحزبية. ومنذ تولي نزار قيادة حزب رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين» بمساعدة عدنان بنشقرون الذي تربطه بهذا الأخير علاقة مصاهرة، لم تعط الرابطة سوى معزوز الذي جاء من مجلس صفرو إلى رئاسة جهة الدار البيضاء، ومزور الذي دخل الرابطة ومنها الحزب ويونس السحيمي الذي دفع به نزار من الرابطة لكي يصبح كاتب عام وزارة التعليم بعدما كان مدير ديوان هذا الأخير، وبنعبد الجليل وزير النقل الذي ظل منذ تعيينه يشتكي من راتبه الوزاري الهزيل مقارنة مع راتبه السابق السمين. لقد كان الهم الأول للقيادة خلال هذا المؤتمر هو نجاح الجلسة الافتتاحية التي حضرها ضيوف الحزب وس المدركات أن انتخابات اللجنة التنفيذية أصبحت

حضرها ضيوف الحزب. ومن المفارقات أن انتخابات اللجنة التنفيذية أصبحت أهم من انتخاب الأمين العام. ويمكن اعتبار أول فشل للقيادة الجديدة هو فشلها في المصادقة على لائحة اللجنة التنفيذية كما تنص على ذلك قوانين الحزب. ويبقى الطموح الأكبر لوزراء الحزب هو الوصول إلى عضوية اللجنة التنفيذية قبل خروجهم من الحكومة في تعديل محتمل، وذلك من أجل حجز كرسي داخل قمرة القيادة الحزبية سعيا وراء غنيمة محتملة، خصوصا أن رهانات انتخابات اللجنة التنفيذية تسبق رهان التعديل الحكومي الذي يسيل لعاب قيادات حزبية من الصف الأول. فالعضوية في اللجنة التنفيذية كانت دائما هي المعبر نحو المنصب الوزاري ونحو التعيين في مناصب مؤسسات عمومية وعضوية هيئات دستورية. وهي قبل ذلك نوع من الحماية السياسية، وهنا نفهم طموح مضيان المحموم نحو عضوية اللجنة التنفيذية خصوصا بعد فقدانه الأمل في الالتحاق بسفينة الحكومة بعد فضيحة المكالمات الهاتفية الخليعة التي وصلت إلى المحاكم. ولائحة الانتظار طويلة في حزب الاستقلال، فهناك الدكتور والبرلماني زيدوح الذي ينحدر من أسرة استقلالية معروفة في دار ولاد زيدوح، وعبد الصمد قيوح الطامح لدخول اللجنة التنفيذية صحبة أخته والذي لم يكد يسخن كرسيه في وزارة الصناعة التقليدية في حكومة بنكيران حتى انسحب شباط منها وغادر قيوح الوزارة دون أن يروي عطشه من نعيمها، وعبد الجبار الراشدي رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي يرافق نزار بركة كظله، ورحال المكاوي خليفة مبدع على رأس مجلس الفقيه بنصالح ورئيس لجنة القوانين في المؤتمر، وكل هؤلاء لديهم طموحات للاستوزار. وهناك من لديه طموح في العودة مجددا لعضوية اللجنة التنفيذية، مثل المحامي عبد الواحد الأنصاري، رئيس جهة فاس مكناس، الذي يريد إدخال ابنته مروى الأنصاري معه إلى اللجنة التنفيذية، وهذا طبيعي طالما أن السيد عبد الواحد الأنصاري وابنته مروى الأنصاري والسيدة أمل الراوي يشتركون في شركة ذات المسؤولية المحدودة تم تأسيسها بتاريخ 16 فبراير 2022 من أجل القيام بأنشطة تجارية رغم أن ذلك يتنافى مع مهام المحامي كما هي مذكورة بالقانون الأساسي للشركة والمتمثلة في الوساطة في نقل رؤوس الأموال والخدمات المالية وصرف العملات وبيعها وشرائها وإدارة التحويلات المالية الإلكترونية وتحصيل فواتير الغير والإعلانات التقنية، وجميع عمليات المتاجرة والوساطة المرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بالموضوع. وقد أسند عبد الواحد الأنصاري تسيير الشركة لابنته البرلمانية مروى الأنصاري، مما يعني أن النقيب السابق لهيئة المحامين بمكناس ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، ورئيس جهة فاس مكناس ومنسق حزب الاستقلال على مستوى الجهة، يوجد في وضع خرق واضح للقانون المنظم لمهنته وأعرافها وتقاليدها ، هذا دون الحديث عن شركة حمزة برو التي تمتلكها العائلة والتي تسير فندقا فخما برأسمال قدره 35 مليون درهم والذي كانت تسيره العائلة إلى حدود تاريخ قريب حيث عوضتها السيدة أمل الراوي كمسيرة جديدة. أما السيد عزيز الهيلالي نائب رئيس الجهة ومدير مؤسسة الرسالة عضو اللجنة التنفيذية الذي يطمح للعودة إليها مجددا فهو لو ترشح في حومته فلن يحصل على صوت واحد. ومن مغربات هذا المؤتمر أن تعديلا شمل كوطا الشباب داخل اللجنة التنفيذية حيث كان يفرض القانون وجود أربعة أعضاء شباب في اللجنة التنفيذية شرط أن تقل أعمارهم عن أربعين سنة، اليوم أضافوا إليها استثناء وهو إذا كان سن المرشح أكثر من أربعين سنة وكان عضوا في قيادة الشبيبة الاستقلالية فتجوز له عضوية اللجنة التنفيذية، وهو شرط تم تفصيله على مقاس وحجم بعض المحظوظين، مثل عثمان الطرمونية الكاتب العام الحالي للشبيبة الاستقلالية. وفي المحصلة النهائية فالتيارات التي تتنازع الحزب هي تيار الصحراء ممثلا بولد الرشيد المتحالف مع جهة الدار البيضاء بني ملال وجزء من جهة طنجة الحسيمة الذي يقوده «النشيط» بين بلجيكا والمغرب محمد سعود، وتيار العائلة الفاسية بقيادة عبد الواحد الفاسي وابن أخته نزار بركة والبرلماني عبد المجيد الفاسي إضافة إلى عائلة قيوح وتيار ينجا الخطاط رئيس جهة الداخلة، وتيار صقور الشبيبة السابقة وعلى رأسهم عبد القادر الكيحل الذي يجمع بقايا أتباع شباط في الحزب، وعادل بنحمزة الطامح لعضوية الهاكا . وهذه التيارات ليست مبنية على أطاريح وأفكار وسوالف بن حى مصالح واصطفافات عددية وولاءات وهذه مأساة الإستقلالين الحقيقين

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.