Banner

حين تُبدِّد الموسيقى الشجية غيوم الحزن..


العلم  – زهير العلالي

“تتمتع الموسيقى بالقوة التي تجعلها تتحرر من قيود اللغة… الكثير من الحب من الهند”. “ستحفر مكانا في ذهنك حتى تعود لتستمع إليها… حب من كشمير”. “صوت هذه الفتاة هبة من الله… مذهل… لا أستطيع أن أفهم هذه الأغنية … لكن يمكنني الإحساس بها… من تاميل نادو (الهند)”.

هكذا تفاعل عدد من المعلقين مع أغنية  Manike Mage Hithe، وهي أغنية سريلانكية باللغة السنهالية، تمتد إلى دقيقتين وثمان وأربعين ثانية، تم إصدارها في 22 ماي 2021. أما كلماتها فتلقيها مغنية شابة تدعى يوهاني، بصوت خافت وحزين، جعلها تنتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم بعد أن تجاوزت 150 مليون مشاهدة على يوتيوب في غضون ثلاثة أشهر فقط.

ما الذي جعل من أغنية بلغة مجهولة تحقق كل هذا النجاح؟ هل لأننا نستمع دون وعي إلى الأغاني التي تتناسب مع حالتنا المزاجية؟ أم أنها تؤثر على مشاعرنا؟ أم أنها تعيد إلى أذهاننا أحداثا وأشخاصا تربطنا بهم علاقات في حياتنا الخاصة؟ 

الناس ميالون بطبعهم إلى اختيار الموسيقى التي تتوافق مع حالتهم العاطفية. ونادرًا ما يحاولون تغيير حالاتهم المزاجية الحزينة بمقطوعات سعيدة، لكن قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية، لأن الموسيقى الحزينة بدلاً من الموسيقى السعيدة تخفف الحزن.

ومع ذلك، لا يعني هذا أننا نستمع إلى الموسيقى الحزينة فقط عندما نشعر بالسوء، قد يكون هذا بسبب حقيقة أن “الموسيقى الحزينة تثير عددًا من الارتباطات المعقدة، بعضها إيجابي، كالحنين والهدوء والحنان والتعالي والذهول” وفقاً لبعض الباحثين، أو ربما بسبب الرغبة في ملامسة المطلق، فسؤال الموسيقى هو نفسه سؤال الدين والفلسفة. وعلى ماذا يدل عنوان قطعة موسيقية غربية “أعلى من النجوم” إن لم يدل على الرغبة في ملامسة المطلق؟ في هذا الصدد، اختصر الكاتب الفرنسي “فيكتور هيغو” صعوبات محاولة فهم تأثير الموسيقى في وقت مبكر من القرن التاسع عشر عندما قال، إن “الموسيقى تعبر عما لا يمكن قوله وما يستحيل السكوت عنه”.

وعندما نقلب الأمر على بعض وجوهه، نجد أن إنتاج الحزن للمتعة شغل الفلاسفة منذ آلاف السنين، فحتى “أرسطو” تساءل حائرا كيف يمكن لجمهور المسرح أن يشاهد بسعادة وفاة البطل، كما أدرك “آرثر شوبنهاور” شيئًا ساميًا من الناحية الجمالية في الإحساس بألم صادر عن مأساة، الأمر نفسه ذهب إليه “فريدريش نيتشه” عندما قال عن المعاناة: “ليس في الألم ما يؤلم”.

يقول مارسيل زينتنر: “الموسيقى الحزينة ليست سيئة، إنها ممتعة… فهي تنقل نوعًا من الحزن غير المعتاد، حزنا جماليا”. فالحزن في الحياة اليومية يمثل شعورا سلبيا نحاول بشتى الطرق تجنبه، والموسيقى قد تساعد على ذلك.

لا أحد يفضل أن يكون حزينًا، ومع ذلك، فإن الناس يعرضون أنفسهم عمدًا للموسيقى الحزينة. فما يبدو للوهلة الأولى متناقضًا، سيبدو منطقيًا تمامًا عندما ندرك أن الأصوات الغائمة تساعد في تنظيم المشاعر السلبية، وهو ما يتوافق رأيا مع الرومانسي الإنجليزي “بيرسي بيش شيلي” الذي يقول: “إن أجمل أغانينا هي تلك التي تحكي عن فكرة حزينة”.

لكن كيف تبدو هذه الموسيقى الحزينة في الواقع؟  إن الطريقة التي نعبر بها عن أنفسنا في حالة الحزن قد انتقلت إلى تأليف موسيقى شجية.  لأننا عندما نكون حزينين نميل بطبعنا إلى التحدث بشكل أبطأ، وأهدأ، وبتنوع أقل في حدة الصوت. وهو ما تمتاز به الموسيقى الحزينة، فهي أبطأ وأكثر هدوءا وأعمق وتستخدم فواصل زمنية أقصر.

وإذا كانت الموسيقى تجعلنا حزينين حقًا، فلماذا نُلحِق أنفسنا طوعًا بهذا الألم؟ ما هي القيمة المضافة التي تجلبها لنا؟ إذا نظرنا من حولنا في الفن، نجد مواضيع أخرى غير الموسيقى تتناول المعاناة، على غرار اللوحات الفنية مثل لوحة (غرنيكا) لـ”بيكاسو”، أَو (حذاء الفلاح) لـ”فان غوغ”، وعددا كبيرا من الأفلام التي لم تترك عينًا جافة، ليؤكد “هيغو” ذلك بقوله: “الكآبة هي متعة أن تكون حزيناً”. فغالبا ما نجد المرء يتفاعل بشكل مختلف مع القصص الخيالية المحزنة عن القصص الحقيقية، لأنه قادر فعلا على التمييز بين الألم العاطفي الحقيقي والألم المحاكي. لهذا، ليس عجبا أننا شعرنا في فيلم “قسم 8” برغبة في البكاء على حياة “مجيد (رفيق بوبكر)” بالرغم من أننا لم نعشها أبدًا، وحزنا مع “هدى ريحان” في فيلم “البرتقالة المرّة” على مآسي لم تكن مآسينا.
 



Source link

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.